هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حوار بين أبو يقظان وبن جلاء

اذهب الى الأسفل

حوار بين أبو يقظان وبن جلاء  Empty حوار بين أبو يقظان وبن جلاء

مُساهمة من طرف مستشار عبد العزيز التهامى الإثنين أبريل 18, 2011 12:32 am

..........................محامي الوفد رابطة المحامين............... منشور بصفحة حزب الوحدة المصري
أبــــو يقظـــان : صباح الخير يا ابن جلاء، ومعذرة إن أزعجتك مكالمتي هذا الصباح الباكر، ولكنني حرصت أن أكون من أوائل المبادرين بتهنئتك بالسنة الهجرية الجديدة، وأحمد الله أننا أصبحنا نتبادل التهاني بهذه المناسبة الدينية، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على أنن...ا متمسكون بهويتنا، وخصوصيتنا الثقافية. وأود استشارتك في أمر قد حيرني منذ هذا الصباح، فقد مرّ اليوم حوْل على أموالي التي سأزكي عليها، واستعنت بنص أهل الفتوى، ولكنني لم أفهم ما جاء فيه، وأنت تعلم أنني ذو وساوس، وحريص أن أطبق ما جاء في النصوص بكل دقة وأمانة بعد أن تحولت من ماركسيّ قديم إلى مسلم ملتزم، وأسبلت لحيتي رغم ما أثارته من شبهة كادت أن تزجّ بي في غياهب السجون كما زجّت بي الماركسية بالأمس، ولكنني أحمد الله أن الأمور قد انفرجت بعد أن حبانا الله بتيّار يراهن على اللحى للوصول إلى السلطة. - ابـــن جــــلاء : الحمد لله الذي هداك إلى الصراط السوي، وأشرقت في نفسك أنوار الإسلام، وأنت تعلم أنني قد بدأت منذ فترة أسير على خطاك، وطلقت المبادئ الليبرالية بعد أن أماطت الأزمة المالية العالمية اللثام عن وجهها القبيح، واعترف العالم أن البنوك الإسلامية هي التي أنقذت العالم الإسلامي من ويلات هذه الأزمة. أنت تعلم أن ثقافتي الإسلامية ضحلة، ولا أستطيع الإجابة عن أسئلتك، لذا أقترح أن نلتقي قريبا، وسأصطحب معي شيخا معروفا بفتاويه الإجتهادية تستطيع أن تطرح عليه كل ما تريده من مسائل. - أبو يقظان : أرجو أن لا يكون صديقك من أصحاب الذقون التي تطل علينا من الفضائيات الظلامية لتنشر الرعب في قلوب المؤمنين فتحدثهم عن الزمهرير، وعذاب القبر. بعد أن حسبنا أن التجربة التحديثية لدولة الاستقلال قد أراحتنا من هذا الخطاب المتخلف فإذا بنا نجد أنفسنا قد جرفتنا نفس المياه الآسنة، فقد سمعت من يتحدث عن أجنحة الملائكة، وأن لجبريل عليه السلام ستمائة جناح، وأن الملائكة قاتلت مع المسلمين في غزوة بدر فقد رأوا سيوفا تقطع الرؤوس دون أن يشاهدوا الماسكين بها. - ابن جلاء : علق ذات يوم صديقنا المشترك أبو ذر على خرافة مشاركة الملائكة في غزوة بدر قائلا : لو يصدق المرء هذه الأسطورة ماذا يبقى من فضل لأولئك الأبطال الذين أسهبت النصوص التأسيسية الحديث عن دورهم في حسم المعركة لصالح السلطة الناشئة في المدينة، وقد كان لهذا الانتصار في مرحلة لاحقة أثر بعيد المدى في خروج الدعوة من حدودها الجغرافية الضيقة في شبه الجزيرة العربية إلى العالم غداة الفتوحات الكبرى. وإذا كان الملائكة قد شاركوا في المعركة فلماذا لم يسهموا في وضع خطتها الإستراتيجية، وقد اجتهد فيها النبي العربي بصفته البشرية فلم يصب الهدف فقبل الرأي الآخر المجتهد، وكان الصحابة يميزون بين مواقف الرسول (ص) كبشر وبين تصرفاته كرسول يوحى إليه. روى الطبري عن وقعة بدر الكبرى قال: "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء، حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به"، ولم يكن المكان استراتيجيا من الجانب العسكري، فقال له الحباب بن المنذر بن الجموح: "يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزله الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نعور ما سواه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم، فنزل عليه، ثم أمر بالقلب فعورت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية". يا أبا يقظان ها أنا أرى صديقي الشيخ الوقور قادما، وهو يرتدي بدلة "أفندية" أنيقة، فلا تغرنك المظاهر، وسيأتيك الخبر اليقين بعد قليل. - أبو يقظان : هذه فرصة شيخنا الوقور أن أتعرف إليك مباشرة بعد أن حدثني عنك طويلا صديقي ابن جلاء، مؤكدا انك من العارفين معرفة دقيقة بالإسلام وقيمه، ومطلعا بصفة خاصة على التجربة التاريخية التي عاشها المجتمع العربي الإسلامي، فالإسلام ليس مجرد نصوص ومقولات معزولة عن الواقع البشري كما وضح لي صديقي أبو ذر، بل هو تجربة تاريخية وحضارية خصبة أثرتها تجارب شعوب مختلفة عاشت في بيئات حضارية متنوعة، وهنا تكمن عظمة الإسلام، فمن لا يعرف هذه التجربة فليس من حقه أن يتحدث عن الإسلام، لائكا مقولات تفشت في مرحلة الركود والتخلف، وأفادني ابن جلاء أنك سليل التيار الإجتهادي في تاريخ الفكر الإسلامي بدءا بمؤسسي الفكر الإعتزالي مثل واصل بن عطاء، ومرورا بالحسن البصري، والإمام جعفر الصادق، وابن رشد، ووصولا في العصر الحديث إلى الطهطاوي، والأفغاني، وتلميذه محمد عبده، والزعيم عبد العزيز الثعالبي، والكواكبي والأخوين مصطفى وعلي عبد الرازق، وخالد محمد خالد في مرحلته الأولى، ومحمد الفاضل ابن عاشور، وغيرهم. إنني مسرور بهذا اللقاء، واسمح لي أن أقول: إنني تخيلت أن أجد نفسي أمام شيخ معمم، كثيف اللحية فإذا بي أجد نفسي أمام رجل حاسر الرأس يرتدي بدلة أنيقة، وكأنه يستعد لاحتساء قهوة المساء في مقهى "فوكتس" بالشانزيليزي. - تبسم الشيخ قائلا : قد تعممت والتحيت يوما، ولما تفشت ظاهرة المتاجرين بعمائمهم ولحاهم، أولئك الذين يأكلون الدنيا بالدين حلقت لحيتي وشاربي معا، وألقيت بالعمامة في سلة المهملات، فالإسلام إيمان في القلب، ولا علاقة له بالأزياء أو التبرقع، وأنا أتحدى أولئك الذين يخصصون برامج في فضائيات التجهيل والتدجيل للحديث عن الألبسة التي يجب أن يلبسها الرجال والنسوة، ويحرمون عليهم غيرها، أتحداهم أن يأتوا بنصوص جدية وثابتة تتحدث بدقة عن نوعية اللباس في العهد النبوي، أو في العصر الراشدي، كل ما نعرفه نتف لا تغني ولا تسمن من جوع، ولما دخل الإسلام مناطق حضارية مختلفة تأثر المسلمون بالتقاليد العريقة في تلك البلدان، وتأقلم معها الإسلام، وما أوردته النصوص عن لباس المرأة في مرحلة التدوين، وبخاصة في العصر العباسي فهو يتعلق بطبقة الخاصة، أما المرأة من طبقة العامة فكانت لها كامل الحرية فيما ترتديه من زي. - أبو يقظان : قضية ما يسمونه باللباس الإسلامي أمرها هين، ولكن هنالك مشكلة أخرى تقضّ مضجعي منذ فترة، وأنا رجل أعمال كما أعلمك بذلك ابن جلاء، وأعني مسألة البنوك الإسلامية، وقد أصبح أصحاب العمائم يبشرون بخيرها العميم، وأن الادخار فيها هو الادخار الصحيح، أما الادخار في البنوك الأخرى فهو ربا، وأنا لا أريد التعامل بالربا، بل قالوا إنها قد أنقذت العالم الإسلامي من ويلات الأزمة المالية العالمية، وان مدينة البنوك في لندن قد انفتحت على "الشريعة الإسلامية والمصارف الإسلامية"، ولولاها لجرف نهر التاميز المدينة بطم طميمها، وقد بلغ بي الأمر إلى التفكير في غلق حساباتي في البنوك الأخرى، وفتح حساب في بنك إسلامي حتى أطمئن، ويكون إسلامي صحيحا، ولكن ابن جلاء نصحني ألا أستعجل، ولا أقوم بأي خطوة حتى أتحاور معك. - الشيخ الأفندي: قد أثرت إشكالية كبرى تبرهن على مدى الردة التي هوت في مستنقعها كثير من الأقطار الإسلامية، وظننا أنها تجاوزت هذه المرحلة، وركبت فعلا قطار الحضارة الحديثة، وبخاصة في المجال الاقتصادي والمالي، فأصبحنا نتحدث عن الاقتصاد الإسلامي، والمالية الإسلامية، والجامعات الإسلامية، واللباس الإسلامي، والطب النبوي، والديمقراطية الإسلامية، هذه هي المأساة الجديدة، وفيما يتصل بالربا سأقص عليك قصة عشتها بنفسي في عاصمة خليجية ثرية قبل أن تنتشر ظاهرة البنوك الإسلامية فدخلت ذات صباح لصرف عملة في فرع "سيتي بنك" الأمريكي، وفوجئت بشخص جالس بجانب شبابيك التعامل مع الحرفاء يرتدي لباسا أزهريا وقد عمم رأسه، وليست له علاقة بالحرفاء فدنوت منه، وسألته عن أحوال الأزهر، ثم قلت له: ما دورك في هذا المكان فأجاب قائلا: إن كثيرا من الأثرياء يضعون أموالهم في هذا البنك، ولا يأخذون عليها فوائد باعتبارها ربا، وعندما يسألون أي سؤال له علاقة بالربا يحيلونهم أعوان البنك إلي لأجيبهم عن كل ما يتعلق بالربا، وعمامتي الأزهرية تطمئنهم فينامون ملء جفونهم، وأعلمك بأن هذا الفرع هو أغنى فروع البنك في العالم لأنه لا يعطي فوائد عن الأموال المودعة فيه، واكتشفت انه أزهري ذكي، وله رؤية إسلامية نقدية، فلما قلت له أنت تعرف أن الفوائد البنكية الحديثة ليس لها علاقة بالربا الذي حرمه الإسلام فأجاب أعرف ذلك، ولكنه رزق ساقه الله إلي لأصفي تركة الفقر في مصر. فهل من الإسلام التبرع على بنك أمريكي بفوائد سخية بحجة البعد عن الربا وأطفال المسلمين يموتون جوعا ووباء! أكتفي في هذا الصدد بما يلي: أولا: إن النظام البنكي الحديث قد تأسس مع بداية الرأسمالية، وتأثرت به البنوك في العالم الإسلامي منذ أكثر من قرن، وطبقت قواعده، ولم ير العلماء المسلمون حرجا في ذلك، فهل يعقل أن يوظف البعض في مطلع القرن الحادي والعشرين عمامته ليتحدث عن الادخار الحلال، ولسان حاله يقول: إن الادخار في البنوك غير الإسلامية حرام! إن الإسلام ليست له علاقة بالنظام البنكي، وليس هنالك اقتصاد إسلامي، بل هنالك تجارب اقتصادية متنوعة عرفها المجتمع العربي الإسلامي، هل يعلم هؤلاء أن المسلمين كانوا طوال العصر النبوي والعصر الراشدي يتعاملون بالدينار البيزنطي والدرهم الساساني، وكل ما قام به عمر بن الخطاب أنه مسح الصليب من الدنانير لأسباب دينية، هل كان المسلمون عاجزين عن ضرب عملة عصرئذ؟ أبدا، وإنما كانوا عمليين فلم يريدوا إدخال اضطراب على حياة الناس الاقتصادية، ولم تضرب عملة إسلامية حلت محلا العملات التي وجدها المسلمون في البلدان التي فتحوها إلا بعد ثلاثة أرباع القرن من تأسيس دولة المدينة. وقبل هذا وبعده فإن الربا الذي حرمه الإسلام لا علاقة له بالفوائد البنكية الحديثة، أي ليست له علاقة بمؤسسات مالية، بل استغلال من أغنياء المجتمع المكي القرشي للفقراء، إذ يقرضونهم مبلغا لأجل مسمى ليرجعوه ضعفين أو أكثر سواء ربحت تجارتهم أو خسرت، وأدى ذلك إلى مآس إنسانية فجاءت الدعوة الجديدة لتحرم ذلك، وهي التي حملت لواء مناصرة الضعفاء، ومحاربة الاستغلال والفساد. قد يبادر البعض هنا قائلا: ولكننا أصبحنا نقرأ أن عاصمة البنوك في لندن قد انفتحت على "المصارف الإسلامية"، وزعم بعض أهل الاختصاص فيها أنها هي التي أنقذت الإمبراطورية البريطانية من هاوية الإفلاس؟ إنها فخاخ الرأسمالية الذكية التي تنصبها لاصطياد المسلمين السذج، إنه ضحك على الأذقان، فالرأسمالية مستعدة في سبيل الربح أن تؤسس صناديق لجمع الزكاة من المغفلين القاطنين بحزام الأحياء الفقيرة المحيطة بعواصم الغرب، ومستعدة في سبيل ذلك أن تؤجر فئة من أهل العمائم مستشارين في "الصيرفة الإسلامية"، كما أجر فرع "سيتي بنك"بعاصمة نفطية صاحبنا الشيخ الأزهري الذي ضحك على أذقان مؤجريه، كما ضحك على أذقان الناس. - ابن جلاء: شيخنا الوقور: هل تحدث ظاهرة الردة والرداءة في الفكر الإسلامي، وهذه الفتاوي المتخلفة صدفة؟ - الشيخ: أبدا لم يحدث ذلك صدفة، بل يندرج ضمن سيطرة "الإسلام أمريكي" كما سماه أحد كبار الدعاة المخلصين رحمه الله لما اكتشف الحقيقة، وزكمت أنفه رائحة "البترو دولار"، إن الإسلام الأمريكي" يعني بكل بساطة دعم النظم الرسمية المتبنية للفكر الإسلامي المتخلف والمبشر بالإسلام الأسطوري الغيبي، وهو إسلام لا علاقة له بالنزعات العقلانية التحررية التي يزخر بها التراث العربي الإسلامي، إنه إسلام التخدير لإحكام القبضة على شعوب المنطقة، وهنا تلتقي مصالح القوى الإمبرالية مع مصالح النظم الاستبدادية التي يئن تحت نيرها العالم الإسلامي، ولعلك تذكر زيارة رئيس أحد البلدان الأوروبية قبل حوالي سنة إلى عاصمة خليجية بترولية، معلنا أنها تمثل النموذج الأمثل للإسلام، وهو يعرف جيدا الحقيقة، ويعرف أن ما قاله محض إفتراء، ولكنه رجع بعقد صفقة أسلحة بمليارات الدولارات، أما ما قبضه تحت الطاولة من حسابات البنوك الإسلامية فالله وحده به عليم. هنا تحضرني جملة قيلت قبل اثني عشر قرنا وما تزال صالحة حتى اليوم، وما أشبه الليلة بالبارحة. دخل معبد بن خالد الجهمي، وعطاء بن ياسر، وهما من كبار علماء عصرهم على الحسن البصري، وهو يحدث الناس في مسجد البصرة فسألاه: "يا أبا سعيد إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين، ويأخذون الأموال، ويقولون: إنما تجري أعمالنا على قدر فأجاب الحسن البصري قائلا: كذب أعداء الله". ويفعل اليوم أولئك الين ينصبون أنفسهم ناطقين باسم الإسلام ما فعله المنظرون بالأمس للحكم الوراثي الاستبدادي من عهد يزيد بن معاوية حتى اليوم. - أبو يقظان: شكرا، شيخنا الفاضل على هذه الإنارة، وأنا مدين لك باكتشاف هذا الجانب المضيء في تراثنا العربي الإسلامي، وأحمد الله أن هذا اللقاء قد جاء في الإبان، وأنقذني من سماسرة كادوا يقنعونني بغلق حساباتي في البنوك العادية، وفتح حساب في "بنك إسلامي" حتى أكون مسلما مستقيما، ولا أدري هل أعلمك ابن جلاء بأنني أصبحت بفضل العولمة، وما يرتبط بها من سمسرة ومضاربات من كبار رجال الأعمال، بل أصبحت مساهما في شركات متعددة الجنسية، وكنت قبل لا أسأل: هل هذا الاثراء شرعي أم غير شرعي، ولكن مع تقدم السن، وبلوغ مرحلة الخريف، وبعد توبتي أصبحت وجلا من أن يكون حسابي عسيرا يوم غد، وسمعت أن أداء الزكاة هو الحل لأطمئن، وأستعد في هدوء إلى ذلك الزائر الذي يأتي دون ميعاد، ولما قرأت هذا الصباح نصا عن زكاة الأموال وجدت الأمر معقدا، ولم أفهم شيئا، لذا أسمح لي أن أمطرك ببعض الأسئلة: أ- من شروط الزكاة على الأموال مرور حول بالحساب القمري لا الشمسي، فكيف تستطيع البنوك التي أتعامل معها ضبط مرور حول قمري على أموالي، وبعض هذه الأموال في حسابات الشركات المتعددة الجنسية؟ قال لي أحدهم: إن البنوك الإسلامية هي وحدها التي تستطيع أن تضبط ذلك، فلها إدارة بطم طميمها مهمتها ضبط تاريخ حلول الأشهر القمرية، وضبط مرور الحول بعد ذلك، ونصحني بغلق حساباتي في البنوك الأخرى، والبحث عن بنك إسلامي، ولكن المشكلة لا تنتهي بضبط مرور السنة القمرية فأنا مساهم مع صديق موريتاني في شركة تربية الإبل، والزكاة عن الإبل معقدة كما قرأته في النص المذكور، إذ الزكاة عن 25 إلى 35 من الإبل لا تصح إلا ببنت مخاض من الإبل، وهي بنت سنتين، ومن 36 إلى 45 بنت لبون من الإبل، وهي ما دخلت في السنة الثالثة، ولما سألت جاري أستاذ العربية عن معنى ناقة لبون قال لي أي ذات لبن، وقد قالت العرب قديما: البنت الناقة إذا نزل لبنها في ضرعها، وهكذا حرت في أمري، فاتصلت بشريكي شارحا له الأمر فقهقه قائلا: نحن هنا في مجتمع بدوي صحراوي والقضية ليست مطروحة عندنا، وأنت مغموم بالموضوع في بلد نتخذه نحن نموذجا للتقدم والتحديث، بلدكم بلد عريق في التجديد والاجتهاد، ولم تجدوا حلا لزكاة الإبل! وحتى إذا لبيت طلبك لأريحك من تأنيب ضميرك الذي أشرقت فيه أخيرا أنوار الإسلام فكيف أستطيع أن أضبط مرور الحول على آلاف الإبل، وأضبط سن بنات المخاض، وبنات اللبون فهذا يحتاج إلى إدارة توثيق تعمل بأحدث وسائل الإلكترونية، وأنت تعرف أن رعاة الإبل هنا أميون، فاقترحت عليه حلا يتمثل في أن أنتدب عددا من حاملي الشهادات العليا في مجال "المولتيميديا"، وأرسلهم إليه، فقال ولكنك يا صديقي قد غفلت عن أمر آخر، فأنت تعلم جيدا أن شركتنا المتعددة الجنسية لتربية الإبل تبيع من حين لآخر بنات اللبون إلى القاعدة بعد أن استوطنت مغربنا الإسلامي لتشرب لبنها، وتتغذى من لحمها لتقوى بذلك على محاربة أعدائنا الكفار، والمصلحة التجارية تجعلنا نبيع في الوقت نفسه جمالا إلى أعوان المخابرات الأمريكية لتحملهم إلى الأماكن القصية في الصحراء لمحاربة إخواننا المسلمين المتهمين بدعم القاعدة، اسأل صاحب النص الصادر عن مرجعية إسلامية عليا: هل تجب الزكاة على إبل تقاتل في سبيل الله، ونحن نعرف أن من يقاتل في سبيل الله تدفع له الصدقات ولا تجب عليه الزكاة. واسأله كذلك عن تلك الجمال التي يركبها الأمريكان هل تؤدي الزكاة؟ وهكذا ترى، شيخنا الوقور، أن القضية أصبحت شديدة التعقيد، وتواصلت حيرتي لما سألت عن الفئات الاجتماعية التي تدفع لها الصدقات؟ فعددت لي كما وردت في سورة التوبة، وكان من بينهم "المؤلفة قلوبهم" فسألت جاري أستاذ اللغة العربية: من هم "المؤلفة قلوبهم" فأجاب: التألف المداراة والإيناس، وتألفهم على الإسلام أي استعان بهم على دعمه، والمؤلفة قلوبهم هم قوم من سادات العرب "أمر الله تعالى نبيه أول الإسلام بتألفهم" أي بمداراتهم وإعطائهم ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال، وليرغبوا غيرهم، واجتهد عمر العظيم فمنع العطاء عن المؤلفة قلوبهم بحجة أن الإسلام قوي، وأصبح في غير حاجة إليهم. - ابن جلاء: قصة "المؤلفة قلوبهم" تذكرني بفئة من "المثقفين" العرب الذين تستعملهم النظم السلطوية في عهدها الأول فعندما يشتد عودها، وتحكم قبضتها، وتدرب جلاوزتها تتنكر لهم، ويتحولون إلى موالي ينفذون الأوامر. - أبو يقظان: معذرة، شيخنا الوقور، فقد أثقلت عليك بالأسئلة، وأصارحك أنه لو لا ما قلته لي عن التيار العقلاني في تاريخ الفكر الإسلامي، وهو تيار يتمسك بالجوهر، ولا يغرق في الجزئيات، لو لا ذلك لتبت من توبتي، ورجعت إلى حياتي البعيدة كل البعد عن أولئك الذين ينفرون ولا يرغبون، ويعسرون، ولا يبشرون، وهم عبء على الإسلام والمسلمين، وقد أصبت لما نعت الظاهرة "بالإسلام الأمريكي"، وتتلقي في ترسيخها القوى الأمبريالية، والنظم الاستبدادية، فتلك تؤبد، سيطرتها على الفضاء العربي الإسلامي، وهذه تؤبد سلطتها في الداخل. إنني متعطش للتفقه والفهم في هذا المجال الذي ولجته بآخرة، كما لمحت إلى ذلك في مطلع حوارنا، ومن التساؤلات التي طرحتها على نفسي بعد أن قرأت النص حول زكاة الأموال، وفيه أن من شروطها عدم الدين فقلت: كيف يعقل أن المدين بالمليارات للبنوك لا يدفع عنها الزكاة، ومن ادخر مبالغ زهيدة ليواجه بها مصائب الدهر يدفع الزكاة؟ - أبو ذر: اسمح لي يا أبا يقظان أن أنوب عن الشيخ، وكلانا ينتسب إلى نفس المدرسة في فهم الإسلام. طرحت أسئلة معقدة اختلفت حولها آراء العلماء بالأمس واليوم، فهون على نفسك، ولا تشغلها بهذه التفاصيل، وافهم أن الإسلام هو دين توحيد وهداية قبل كل شيء، وحمل الإنسان مسؤوليته، فهو مخير، وليس مسيرا "فهديناه النجدين…" "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" فباب الإجتهاد في فهم النص القرآني واسع، وقد سمعت كيف اجتهد عمر، وامتنع عن إعطاء"المؤلفة قلوبهم" رغم التنصيص عليهم في آية الصدقات. قد قال الإمام علي "إن القرآن لا ينطق ، ولكن ينطق به الرجال"، وهو لا يقصد التلاوة، وإنما يقصد الفهم السليم، والتأويل المجتهد المستجيب لتطور حياة الناس والمجتمع. ولا تسمع كلام أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أولياء على الإسلام والمسلمين فلا رهبانية في الإسلام، واعلم أن من أبرز واجبات المسلم مقاومة الظلم بشتى ألوانه، والتضامن مع المحتاجين. فهل يعقل أن تطل في مطلع القرن الحادي والعشرين من فضائيات التجهيل عمائم مزيفة لتقول لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة، ولا أن تسبح في البحر، ولا تمارس الرياضة في المدارس، ولا أن تتسرول! هل هذا هو الإسلام الذي بنى إمبراطوريات كبرى، وأسس حضارة إنسانية رائدة كان لها أثر بعيد المدى في نشأة الحضارة الكونية الحديثة، أبدا ليس هذا الإسلام الحق، بل هو "الإسلام الأمريكي" كما قلت. - أبو ذر: يا أبا يقظان وقف علي ذات ليلة جدي الأعلى الصحابي الجليل أبو الغفاري فقال غاضبا: إنه من الغريب بعد موتي بأربعة عشرة قرنا بالضبط(توفي سنة 32 هـ) مازلتم منشغلين بأشياء تافهة مثل كيف يكون اللباس الإسلامي، وكيف تحف اللحى. ونسيتهم القيم الجوهرية التي بشر بها الإسلام، وفي مقدمتها مقاومة جميع مظاهر الاستبداد والتسلط، وتوزيع الثروة الوطنية بالعدل بين الناس، فأنت تعرف مقولتي الشهيرة التي خلدها التاريخ: "إنني أستغرب من رجل لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج شاهرا سيفه، وقصدت بذلك شاهرا سيفه" على أولئك الذين لا يعدلون في توزيع الثروة الوطنية توزيعا عادلا، ولما رأيت السلطة بدمشق أيام معاوية قد انحرفت عن الطريق الصحيح تزعمت فئة الفقراء، وحرضتهم على مشاركة الأغنياء في أموالهم، وطالبت معاوية بتوزيع أموال الدولة توزيعا عادلا فهددني، ولو لا مكانتي في الإسلام، فأنت تعرف أنني أسلمت بعد أربعة، لو لا ذلك لأعدمني كما أعدم يوما حجر بن عدي، ولكنه أرسلني إلى الخليفة عثمان، وقد غير وبدل، وتنكر للسنة التي سنها سلفاه، أبو بكر وعمر فأهانني ابن عمه، ونفاني إلى صحراء الربذة، ولما حضر الأجل لم يجدوا ما يكفنوني به. إن صديقي وزميلي عثمان هو صحابي جليل، وبذل الكثير في سبيل نشر الدعوة، ولكنه حاد عن الطريق لما أغدق الأموال العامة على أقاربه، وولاهم مناصب في الدولة الفتية لا يستحقونها فثار الناس عليه، وجاءت الجماهير من كل المدن والقرى، وحاصرته في بيته أربعين يوما، ومنعت عليه الماء، ولما رفض تغيير سياسته اقتحمت بيته وقتلته والمصحف بين يديه، ولم يكن المقتحمون من الفوضويين، بل كان بينهم صحابة، ونساك، ولكنهم ثاروا في وجه استغلال السلطة على حساب المصلحة العامة. إن الدرب الذي سلكته مليء بالأشواك، ولم أسلكه وحدي فقد سلكه عدد كبير من كبار الصحابة أمثال عمر، وعلي، وعمار بن ياسر، وغيرهم، وقد دفعنا ثمنا باهظا، ولكننا أسسنا التيار الذي يمثل بحق القيم الجوهرية في الدعوة الإسلامية، ومن المؤسف بعد مرور أربعة عشر قرنا، وبعد أن عرف المجتمع الإسلامي تجارب ثرية ومتنوعة نجد من يسعى في عصركم إلى نشر الفكر الأسطوري الخرافي باسم الإسلام، مراهنين على الإسلام الشعبوي للبقاء في السلطة، وينسون أن من يراهن على الإسلام الشعبوي فإنه يحفر قبره بيديه. اطلب من صديقك "أبو يقظان" إذا أراد أن تقبل توبته، وأن يريح ضميره أن يسعى داخل فئته، فئة رجال الأعمال إلى مقاومة ظاهرة المضاربات والسمسرة، فهي سوسة تنخر النسيج الاجتماعي، وتغذو الحقد الطبقي، فإذا انفجر لا يبقى ولا يذر، ومن يدفع الثمن عندئذ ليس السماسرة، بل المواطن والوطن. ملاحظة: حررت هذا النص غداة صدور نص المفتي التونسي في مطلع شهر محرم الماضي قبل أن تشرق شمس الحرية على تونس لذا كنت مضطرا أن أسلك هذا الأسلوب في الكتابة...................
...............[b]
مستشار عبد العزيز التهامى
مستشار عبد العزيز التهامى
مؤسس الحزب
مؤسس الحزب

المساهمات : 656
تاريخ التسجيل : 12/03/2011
العمر : 58

https://egyuni.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى